سورة يونس - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


فأما قوله: {الر} قرأ ابن كثير: {الر} بفتح الراء. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {الر} على الهجاء مكسورة. وقد ذكرنا في أول سورة البقرة ما يشتمل على بيان هذا الجنس. وقد خُصَّت هذه الكلمة بستة أقوال. أحدها: أن معناها: أنا الله أرى، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنا الله الرحمن، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: أنه بعض اسم من أسماء الله. روى عكرمة عن ابن عباس قال: الار وحما ونا حروف الرحمن. والرابع: أنه قَسَمٌ أقسم الله به، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والخامس: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله مجاهد، وقتادة. والسادس: أنه اسم للسورة، قاله ابن زيد. وفي قوله: {تلك} قولان: أحدهما: أنه بمعنى هذه، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره أبو عبيدة. والثاني: أنه على أصله. ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن الإِشارة إِلى الكتب المتقدمة من التوراة والإِنجيل، قاله مجاهد، وقتادة؛ فيكون المعنى: هذه الأقاصيص التي تسمعونها، تلك الآيات التي وصفت في التوراة والإِنجيل. والثاني: أن الإِشارة إِلى الآيات التي جرى ذكرها، من القرآن، قاله الزجاج. والثالث: أن {تلك} إِشارة إِلى {الر} وأخواتها من حروف المعجم، أي: تلك الحروف المفتتحة بها السُّوَر هي {آيات الكتاب} لأن الكتاب بها يتلى، وألفاظه إِليها ترجع، ذكره ابن الأنباري. قال أبو عبيدة: {الحكيم} بمعنى المحكَم المبيَّن الموضَّح؛ والعرب قد تضع فعيلاً في معنى مُفْعَل؛ قال الله تعالى: {ما لديَّ عتيد} [ق: 23] أي: مُعَدٌّ.


قوله تعالى: {أكان للناس عجباً} سبب نزولها: أن الله تعالى لما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم أنكرت الكفار ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد، فنزلت هذه الآية. والمراد بالناس هاهنا: أهل مكة، والمراد بالرجُل: محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى {منهم}: يعرفون نسبه، قاله ابن عباس، فأما الألِف فهي للتوبيخ والإِنكار. قال ابن الأنباري: والاحتجاج عليهم في كونهم عجبوا من إِرسال محمد، محذوف هاهنا، وهو مبيَّن في قوله: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} [الزخرف 32]، أي: فكما وضح لكم هذا التفاضل بالمشاهدة، فلا تنكروا تفضيل الله مَنْ شاء بالنبوة؛ وإنما حذفه هاهنا اعتماداً على ما بيَّنه في موضع آخر. قال: وقيل: إِنما عجبوا من ذكر البعث والنشور، لأن الإِنذار والتبشير يتصلان بهما، فكان جوابهم في مواضع كثيرة تدل على كون ذلك، مثل قوله: {وهو أهون عليه} [الروم: 27]، وقوله: {يحييها الذي أنشأها أول مرة} [يس: 79].
وفي المراد بقوله: {قَدَم صدق} سبعة أقوال:
أحدها: أنه الثواب الحسن بما قدَّموا من أعمالهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وروى عنه أبو صالح قال: عمل صالح يَقْدمون عليه.
والثاني: أنه ما سبق لهم من السعادة في الذِّكر الأول، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال أبو عبيدة: سابقة صدق.
والثالث: شفيع صدق، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم يوم القيامة، قاله الحسن.
والرابع: سَلَفُ صدق تقدّموهم بالإِيمان، قاله مجاهد، وقتادة.
والخامس: مقام صدق لا زوال عنه، قاله عطاء.
والسادس: أن قدم الصِّدق: المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.
والسابع: أن القدم هاهنا: مصيبة المسلمين بنبيِّهم صلى الله عليه وسلم وما يلحقهم من ثواب الله عند أسفهم على فقده ومحبتهم لمشاهدته، ذكره ابن الأنباري.
فإن قيل: لِم آثر القَدَم هاهنا على اليد، والعرب تستعمل اليد في موضع الإِحسان؟
فالجواب: أن القدم ذكرت هاهنا للتقدم، لأن العادة جارية بتقدُّم الساعي على قدميه، والعرب تجعلها كناية عن العمل الذي يُتقدَّم فيه ولا يقع فيه تأخُّر، قال ذو الرمة:
لكم قَدَمٌ لا يُنْكِرُ النَّاسُ أَنَّها *** مع الحَسَب العادِيّ طَمَّتْ على البحر
فإن قيل: ما وجه إِضافة القدم إِلى الصدق؟
فالجواب: أن ذلك مدح للقدم، وكل شيء أضفته إِلى الصدق، فقد مدحته؛ ومثله: {أدخلني مُدْخَل صدق وأخرجْني مخرج صدق} [الاسراء: 80]، وقوله: {في مقعد صدق} [القمر: 55]. وفي الكلام محذوف، تقديره: أوحينا إِلى رجل منهم، فلما أتاهم الوحي {قال الكافرون إِن هذا لسحر مبين} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {لَساحر} بألف. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {لَسحر} بغير ألف. قال أبو علي: قد تقدم قوله: {أن أوحينا إِلى رجل منهم} فمن قال: ساحر، أراد الرجل؛ ومن قال: سحر، أراد الذي أُوحي، سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إِنه وحي، سحر.
قال الزجاج: لما أنذرهم بالبعث والنشور، فقالوا: هذا سحر، أخبرهم أن الذي خلق السموات والأرض قادر على بعثهم بقوله: {إن ربكم الله} وقد سبق تفسيره في [الأعراف: 54].
قوله تعالى: {يدبِّر الأمر} قال مجاهد: يقضيه. وقال غيره: يأمر به ويمضيه.
قوله تعالى: {مامن شفيع إِلا من بعد إِذنه} فيه قولان:
أحدهما: لا يشفع أحد إِلا أن يأذن له، قاله ابن عباس. قال الزجاج: لم يَجْرِ للشفيع ذِكر قبل هذا، ولكنَّ الذين خوطبوا كانوا يقولون: الأصنام شفعاؤنا.
والثاني: أن المعنى: لا ثانيَ معه، مأخوذ من الشَّفْع، لأنه لم يكن معه أحد، ثم خلق الأشياء. فقوله: {إِلا من بعد إِذنه} أي: من بعد أمره أن يكون الخلق فكان، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {فاعبدوه} قال مقاتل: وحِّدوه. وقال الزجاج: المعنى: فاعبدوه وحده. وقوله: {تذكَّرون} معناه: تتَّعظون.


قوله تعالى: {إليه مرجعكم جميعاً} أي: مصيركم يوم القيامة {وعْدَ الله حقاً} قال الزجاج: {وَعْدَ الله} منصوب على معنى: وعدكم الله وعداً، لأن قوله: {إِليه مرجعكم} معناه: الوعد بالرجوع، و{حقاً} منصوب على: أحق ذلك حقاً.
قوله تعالى: {إِنه يبدأ الخلق} قرأه الأكثرون بكسر الألف. وقرأت عائشة، وأبو رزين، وعكرمة، وأبو العالية، والأعمش: بفتحها. قال الزجاج: من كسر، فعلى الاستئناف، ومن فتح، فالمعنى: إِليه مرجعكم، لأنه يبدأ الخلق. قال مقاتل: يبدأ الخلق ولم يكن شيئاً، ثم يعيده بعد الموت. وأما القسط، فهو العدل.
فإن قيل: كيف خصَّ جزاء المؤمنين بالعدل، وهو في جزاء الكافرين عادل أيضاً؟
فالجواب: أنه لو جمع الفريقين في القسط، لم يتبيَّن في حال اجتماعهما ما يقع بالكافرين من العذاب الأليم والشرب من الحميم، ففصلهم من المؤمنين ليبيِّن ما يجزيهم به مما هو عدل أيضاً، ذكره ابن الأنباري. فأما الحميم، فهو الماء الحارُّ. وقال أبو عبيدة: كل حار فهو حميم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8